٣٥ عامًا من الصداقة- الصين والسعودية، شراكة استراتيجية واعدة

المؤلف: وانغ تشيمين08.27.2025
٣٥ عامًا من الصداقة- الصين والسعودية، شراكة استراتيجية واعدة

بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الوثيقة بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية، يسعدني، وباسم القنصلية العامة الصينية في جدة، أن أتقدم بأسمى آيات التقدير والعرفان لجميع الأصدقاء الأعزاء في المملكة الذين دعموا وساندوا نمو وازدهار العلاقات الثنائية على مر السنين. على مدى العقود الثلاثة ونصف الماضية، أثبت البلدان الصديقان أنهما يقفان جنباً إلى جنب في أوقات الرخاء والشدة، مما أرسى أساساً راسخاً لعلاقة استثنائية تتجاوز كل الصعاب. هذا الإنجاز الرائع لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الاستراتيجية الثاقبة والقيادة الحكيمة لقادة البلدين، بالإضافة إلى الجهود الدؤوبة التي بذلها الشعبان الصديقان. تجسد هذا التعاون البناء في نتائج ملموسة ومثمرة، مما أدى إلى تعزيز الروابط الأخوية بين الشعبين.

١- وحدة الهدف تجمع القادة وتقرب المسافات:

لقد وضع القائدان الصيني والسعودي الأساس المتين للعلاقات الثنائية الاستراتيجية، لتتجاوز بذلك كل الحواجز الجغرافية. ففي القرن الخامس عشر الميلادي، وصلت سفن الأسطول الصيني بقيادة الملاح الشهير تشنغ خه إلى شواطئ جدة ومكة المكرمة. ولا تزال الشظايا الأثرية للخزف الصيني القديم، التي عُثر عليها في موقع السرين التاريخي، شاهدة على عمق الصداقة العريقة التي جمعت الشعبين على مر العصور. هذه اللحظات التاريخية المميزة تجسد قصة التواصل الودي والتعاون البناء بين البلدين، وتغذي باستمرار الجهود الرامية إلى تعزيز وتعميق العلاقات الثنائية في العصر الحديث.

منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة العربية السعودية في الحادي والعشرين من يوليو عام 1990، حافظ البلدان على الاحترام المتبادل للنظام السياسي ومسار التنمية الخاص بكل منهما، وعملا على تعزيز الثقة السياسية المتبادلة تحت القيادة الرشيدة لرئيسي البلدين. وقد تجسد ذلك في الزيارة التاريخية التي قام بها فخامة الرئيس الصيني الراحل جيانغ زيمين إلى المملكة في عام 1999، والزيارات المتبادلة التي قام بها فخامة الرئيس الصيني هو جين تاو والملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – في عام 2006. وفي عام 2008، زار فخامة الرئيس شي جين بينغ (عندما كان نائباً للرئيس) المملكة، وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية بإقامة علاقات استراتيجية ودية، مما فتح آفاقاً جديدة للتعاون المشترك.

في عام 2016، قام الرئيس شي جين بينغ بزيارته الثانية إلى المملكة، والتي شكلت علامة فارقة في مسيرة العلاقات الصينية السعودية، حيث تم توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وتأسيس اللجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى. وفي العام نفسه، زار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الصين لحضور الاجتماع الأول للجنة المشتركة رفيعة المستوى، مما أضاف بعداً جديداً للعلاقات الثنائية. وفي عامي 2017 و2019، قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بزيارة الصين على التوالي، مما عزز الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين وعمق أواصر الصداقة بين القيادتين. وفي عام 2022، زار الرئيس شي جين بينغ المملكة للمرة الثالثة، وشهد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية، مما دشّن حقبة جديدة من التعاون المشترك. وفي سبتمبر من عام 2024، زار رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ المملكة وترأس الاجتماع الرابع للجنة المشتركة رفيعة المستوى مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، مما أعطى زخماً إضافياً لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية، دعم الجانبان بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بمصالحهما الجوهرية واهتماماتهما الرئيسية، وحافظا على تنسيق وثيق في الشؤون الدولية والإقليمية، ودافعا معاً عن الحقوق والمصالح المشروعة للبلدين والجنوب العالمي، فضلاً عن دعم العدالة والإنصاف الدوليين. وتلتزم المملكة العربية السعودية التزاماً راسخاً بمبدأ الصين الواحدة، وتدعم بنشاط مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية التي طرحها الرئيس شي جين بينغ.

٢- طريق الحرير يربط الشراكات ويزيل الحواجز:

على مدى السنوات الخمس والثلاثين التي أعقبت إقامة العلاقات الدبلوماسية، شهد حجم التجارة بين الصين والمملكة نمواً هائلاً من 500 مليون دولار في عام 1990 إلى 107.53 مليار دولار في عام 2024، أي بزيادة تقارب 220 ضعفاً. وقد حافظت المملكة على مكانتها كأكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا على مدى سنوات عديدة. وفي الأعوام الأخيرة، تعزز التوافق بين مبادرة "الحزام والطريق" ورؤية 2030، وتحققت نتائج مثمرة في هذا الصدد. ففي عام 2016، بدأ تشغيل مصفاة ينبع أرامكو سينوبك (SINOPEC) (شركة ياسرف)، التي تعد أكبر استثمارات الصين في المملكة في ذلك الحين، وبعد 10 سنوات من التعاون المثمر بين الشركتين، تتعاونان مرة أخرى في توسيع المصفاة. كما أن قطار المشاعر المقدسة، الذي يعد أول مترو في المملكة وشيدته شركة بناء السكك الحديدية الصينية (CRCC)، قد نجح في نقل أكثر من 25 مليون حاج على مدى أكثر من 10 سنوات، وحظي بإشادة واسعة من المسلمين في جميع أنحاء العالم بسجله الخالي من الحوادث. أما محطة الشعيبة للطاقة الشمسية، التي تعد أكبر محطة كهروضوئية في المملكة والشرق الأوسط وشيدتها شركة هندسة الطاقة الصينية (CEEC)، فقد بدأت التشغيل وتوليد الطاقة والربط بالشبكة الكهربائية، مما يوفر دعماً قوياً لمسيرة التنمية الخضراء في المملكة. وشاركت شركة هندسة الموانئ الصينية (CHEC) بفاعلية في مشروع البنية التحتية في وجهة وسط جدة، وقدمت بذلك مساهمات إيجابية في تحسين البنية التحتية وتعزيز معيشة الشعب في المملكة. وبالنسبة لاستاد وسط جدة، الذي تنفذه شركة بناء السكك الحديدية الصينية (CRCC)، فإنه سيصبح أحد الملاعب الرئيسية في كأس العالم التي ستقام في المملكة العربية السعودية عام 2034، وسيمثل معلماً بارزاً آخر على الساحل الغربي للمملكة.

بالإضافة إلى ذلك، تشارك العديد من الشركات الصينية في مشاريع ضخمة مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر. كما أقامت شركات التكنولوجيا الصينية تعاوناً مثمراً مع الجانب السعودي في مجالات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وبناء المدن الذكية وغيرها، مما ساعد على تحقيق التحول الرقمي الاقتصادي وتسريع تحقيق رؤية 2030.

٣- جسور التواصل الحضاري تزهر الصداقة وتوحد القلوب:

تعتبر اللغة بمثابة جسر يربط بين الحضارات. فبعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للصين في عام 2019، شهد تطوير تعليم اللغة الصينية في المملكة تقدماً كبيراً، وأصبحت اللغة الصينية أكثر شعبية بين الشباب السعودي. وفي هذا العام، أقيمت في المملكة لأول مرة مسابقة "جسر اللغة الصينية" لطلاب المدارس الثانوية، وقد أُعجبتُ بقصص الشباب عن أحلامهم المتعلقة بالصين وعرضهم الرائع للثقافة الصينية.

وفي مجال التبادل الثقافي، استضاف متحف القصر الوطني في بكين في العام الماضي معرض "العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية"، مما عزز التفاهم والتبادل الثقافي بين الحضارتين الصينية والسعودية. كما حطت الكتب والمنتجات الثقافية الصينية رحالها في معرضي الرياض وجدة الدوليين للكتاب، مما أتاح للأصدقاء السعوديين فرصة قيّمة لقراءة الصين وفهم ثقافتها الغنية.

وفيما يتعلق بالسياحة والزيارات المتبادلة، يستمر تسهيل الإجراءات ذات الصلة: فقد نفذ الجانب الصيني السياسات التجريبية لإعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول، ومن شأن هذه الخطوة أن تسهم في تشجيع الزيارات المتبادلة وتعميق روابط الصداقة بين البلدين. وقد بلغ عدد الرحلات الجوية المباشرة من بكين وشانغهاي وقوانغتشو وشنتشن وهايكو وهونغ كونغ إلى الرياض وجدة والدمام وغيرها من المدن الرئيسية أكثر من 10 رحلات أسبوعياً، مما يتيح للأصدقاء السعوديين فرصة زيارة الصين في أي وقت لاستكشاف العادات والثقافة الصينية الفريدة. وقد أصبحت الرياضات الإلكترونية رابطاً جديداً بين شباب الصين والمملكة. وقد استقطبت كأس العالم للرياضات الإلكترونية عدداً كبيراً من العشاق الصينيين إلى المملكة لمشاهدة المباريات. وبعد أيام قليلة، سيُقام الأسبوع الصيني على هامش الكأس في الرياض، حيث سيقدم تجربة ساحرة للثقافة الصينية التقليدية في عالمها الرقمي.

٤- مستقبل مشرق ينتظرنا ببناء مجتمع مصير مشترك:

بغض النظر عن المتغيرات الدولية، يجب علينا مواصلة تنفيذ التوافق الاستراتيجي الذي توصل إليه قادة البلدين وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة والدعم المتبادل بثبات. وعلينا أن نعمل سوياً لمواجهة التحديات وتعزيز التعددية القطبية المتساوية المنظمة والعولمة الشاملة، وبناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك والانفتاح والتسامح والنظافة والجمال. كما يجب علينا تعزيز المواءمة بين مبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية 2030" على نحو أعمق، واستكشاف آفاق التعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاستثمار والنقل والاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها. ويجب علينا أيضاً تعميق الصداقة بين الشعبين، وإقامة سلسلة من الأنشطة المتنوعة في "العام الثقافي الصيني السعودي"، ومواصلة بناء جسور التواصل بين الشعبين، حتى تتجذر الصداقة بين البلدين بعمق في قلوب الشعبين وتنتقل من جيل إلى جيل.

وكما يقول العرب: "اللي يشتري الصداقة، ما يبيعها". فالصداقة الممتدة على مدى 35 عاماً تشبه نخيلاً وارفاً في واحة مزدهرة، متجذرة في أرض خصبة بالثقة المتبادلة، ومثمرة بالثمار الحلوة للتقاسم، ومدافعة عن الرياح والرمال. والقنصلية العامة الصينية في جدة على استعداد لمواصلة العمل مع جميع الأصدقاء في المناطق القنصلية جنباً إلى جنب ودفع العلاقات الثنائية إلى الأمام، انطلاقاً من مناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ختاماً، ندعو الله أن يديم الصداقة بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية إلى الأبد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة